تُقاس أحجام الاشياء بمدى ارتباط أرواحنا بها ..

لعل من أعمق وأبلغ و أجمل ما قيل في الندم والحسرة والأسف هو بيت شعر للعملاق سمير صبيح : تِمنيتْ الأصابع كون أًلـفْ بالإيــد .. لِأنْ بِيه نَدم مو مال أعض خمسة !

كان الإنسان في العصر الحجري أقربَ إلى التوحّش والحيونة منه إلى صورة الإنسان المتحضر. أما في عصرنا الحاضر، فما زال يحمل القدر ذاته من التوحّش بل لعلّه زاد عليه، غير أنّه اليوم يُخفيه خلف ربطة عنقٍ أنيقة، ويركب طائرة (يصور نفسه في مقعد الدرجة الأولى غالباً) ويستخدم هاتفاً ذكياً.

في كل مرة .. أراك أول مرة نفس الدهشة .! نفس الوقوع .!

يا دَليلي عِندَ حَيرَتي .. .. " الجوشن الكبير"

رسالة إلى الحبيب المُجيب المعظم : من أجل كل المرات التي لا تحصى وناديتُك فيها فلبّيت .. ﴿وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها﴾ علّمني كيف يتّسع قلبي لك أكثر وكيف أحبّك بما يليق بحضورك في حياتي علّمني كيف أجعل حبي لك يُشبه ما تستحقّه لا ما أعرفه دام قربك .

فخمةٌ هي عيناك .. غزيرتان بالمعنى، لا يُمل التأمّل فيهما خالدتان كـ قصيدة صاغها المتنبي .. تتجاوزان الزمن، وتعيدان تعريف الدهشة !

أيّها العزيز جدًّا.. ﴿وَلَبِثتَ فينا مِن عُمُرِكَ سِنين﴾ ما زلتَ تحيا فينا وتنمو وينمو مع حضورك الغائب الحُبُّ ، والانتظار والخوف، والأمل وأحياناً اليأس .. يا أمل اليائسين يُقال إنّ الإنسان كلّما كبر، ومرّت عليه السنوات، تبدّلت اهتماماته، وخَفتَ اكتراثُه بالأشياء أو لعلّه نَضِج واتّسعت عيونُ وعيه فأضحى يرى العالم أوضح، أعمق، وأهدأ. أمّا نحن .. صغارك الذين ما كبرنا، ومنذ ألف عامٍ ونيف، لا تزال جذوة غيبتك تضطرم فينا كشعلتها الأولى شوقًا ولهفة و وجداً وحنيناً وكثيرًا كثيرًا من الشجى والأسى والحسرة. أيّها العزيز لا يُقاس عُمرك ولا غيبتك بالزمان والسنين والأيام، إنما بالشوق الشوق إليك وإلى وعدك وإلى سبحات وجهك المبارك. ﴿وَأَشرَقَتِ الأَرضُ بِنورِ رَبِّها﴾ فمتى يندلع لسانُ الصباح؟ متى تنكشف الظلمة عن قلوبٍ أرهقها الحنين؟ (يا ابنَ السُّرُجِ المضيئة) #ندبة

كـَ مَــوجـة أصل إليك .. ثم أرجع ! .

وَفُكَّني مِنْ شَدِّ وَثاقي .. " الإمام علي ع " __ خَلِّصْنِي فَأُخَلَّص . (إر 14 : 17)

﴿أَم يَحسَبونَ أَنّا لا نَسمَعُ سِرَّهُم وَنَجواهُم﴾ ليس فقط "سمع الله لمن حمده " .. بل سمع الله لمن تألّم ولم يشعر به أحد، وسمع الله لمن تجمر واحترق فؤاده ولم يره أحد . سمع الله للباكين في الخفاء، وسمع الله للشاكين دون صوت، سمع الله للمكروبين والمهمومين، وسمع الله لأولئك الذين لا يسمعهم أحد ولا يراهم أحد ولا يعبأ بهم أحد فالله يسمع السرّ قبل أن يُقال، ويرى الوجع قبل أن يُبكى ويعلم ما يُخفيه القلب وانطوى بين جوانح الروح .. ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ العَليمُ﴾

﴿فَاصبِر صَبرًا جَميلًا﴾ .. واقعًا، الإنسان لا يتجاوز الفقد أبدًا. فهو إمّا يتظاهر بالنسيان والنكران، وإمّا يلتفّ على الفقد، فيحاول ملامسته من أطراف شتى . مقاربًا له بكل الصور الممكنة. يزور مكانَ أحدهم، يتنفس عطرَ أحدهم، يستعيد طريقةَ كلامِ أحدهم .. فالذي فقد، لا يتجاوز إنما يبحث عن المفقود في كلّ الأشياء. لكي تتجاوز، عليك أن تعيش في عالمٍ آخر. أمّا نحن، فلا نتجاوز، بل نتكيّف فقط.

يا سَريعَ الرِّضا .. " الامام علي ع " __ يُجِيبُ عَنْ أَمْرٍ قَبْلَ أَنْ يَسْمَعَهُ (أم 7:18 )

كـ طرف خيط منسَلّ من كنزة صوفيّة .. تسحبُنا هذه الحياةُ رويدًا رويدًا نتلاشى نتفكك ونذوب دون أن نشعر .. هذه الحياة لا تحتاج أكثر من طرف خيط من الروح لتقضي عليك دون أن تشعر . طوبى لمن أحكم مغاليق قلبه وروحه قبل فوات الأوان .

اعتمد على قلبه وحده .. فوجده ميتًا . تحت أنقاض سقف توقّعاته.!

( اعلموا أني فاطمة، وأبي محمد ) .. لعلّه لا شيء أشدُّ قسوةً على قلب الإنسان، ولا أمرُّ وقعًا على الروح، من أن تقضي عمرك بين قومٍ تظنّهم منك وإليك ، تؤاخيهم في السِّلم، وتُسعفهم في الشدائد، وتُشاطرهم الأفراح والأحزان .. ثمّ تأتي اللحظة الفاصلة، لحظة سداد الدين والأجر ﴿قُل لا أَسأَلُكُم عَلَيهِ أَجرًا إِلَّا المَوَدَّةَ فِي القُربى﴾ .. فينكشف الغطاء، وتُظهر المواقف المصيرية أنّك لم تعرفهم حقًّا، ولا هم عرفوك، وكأنّ كلّ السنين كانت ظِلًّا لا حقيقة له واختفى الظل بوحيل شمس النبوة ورحمة العالمين وهكذا وقفت بضعة النبي، فاطمة الزهراء عليها السلام، في ساعة الفجيعة، وقد وجدت الدنيا تنقلب عليها بعد رحيل رسول الله (ص) فرأت القلوب التي كانت تلوّح بالمحبّة، تتنصّل عند الامتحان، وتنكشف معادن الرجال، فإذا الودُّ ادّعاء، والولاء كلماتٌ لا جذور لها. وقالت بصوتٍ يقطر ألمًا وعتابًا واحتجاجًا على زمنٍ جائر .. بعد أن ( أنت أنة اجهش القوم لها بالبكاء ) " اعلموا أني فاطمة، وأبي محمد " ما أوجعها من صرخةٍ يَضيق بها الكون، وما أعظمها من حسرةٍ لم تكن لنفسها، بل على أمّةٍ تنكّرت لوصيّة نبيّها، وضيّعت حقّ البيت الذي قامت على محبّته الرسالة. سلامٌ على الزهراء يوم وُلدت، ويوم ظُلمت، ويوم ارتقت شاكيةً إلى ربّها، ويوم يقوم الحقّ وينتصر لدمعتها. (يَا مُمْتَحَنَةُ امْتَحَنَكِ اللهُ الَّذِي خَلَقَكِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَكِ فَوَجَدَكِ لِمَا امْتَحَنَكِ صابِرَة)

"سلْ صـدرها خُـزانـة الأسـرارة" وتعالوا نـبكي عمّ في الـذمه .. فـ هل رأيتَ يومًا أحدًا يؤلمهُ العنَاق؟ لهفي لضلعها المكسور ..

وكلُّ صباحٍ خيرٌ .. ما دام السعيُ إليك ﴿اركُض بِرِجلِكَ هذا مُغتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ﴾.

اللهفة صلاةُ القلب .. إذا قُبلت ، قبل ما سواها .

أنت حرفياً " صباح الخير " .. بداية اليوم ونسماته العليلة مجرد تمويه .

نفسياً .. يكلّفك التردّد أضعافَ ما تكلّفك الخطوةُ الخاطئة . التردّد استنزاف لا ينتهي .. لا تقع في الفخ