*هل نقينا قلوبنا من الكبر؟*
الكاتب : خليل الشريف
هناك فهم سطحي للتكبر.. هناك من يعتقد أن صورة الكبر مذكورة حصرا في العجرفة والخيلاء والنظر للناس بوجه وملامح يملؤها الاحتقار والانتقاص.. والحقيقة أن ذلك هو الجانب الفج الظاهر للتكبر وهو محدود جدا لسبب وجيه لايخفى عن ذي لب، ذلك أن المتكبر على هذا النحو ممقوت ومنبوذ ومستبعد من الناس على كافة أطيافهم.. بينما هناك جانبا خفيا من التكبر منتشر انتشارا واسعا لايكاد يسلم منه إنسان إلا من فتح الله على قلبه وأدرك غايته في ذلك.. وهو ما وصفه الرسول عليه الصلاة والسلام بدقة متناهية عندما قال ( غمط الناس وبطر الحق) وغمط الناس أي أن يكون الشخص في داخله نظرة استحقار لعقول الناس وفهمهم دون أن يصرح بذلك، فهو يظن أن له علوا على الناس وليس فيه من الخير مايبلغ ظنه. وأنه يفهم مالايفهمون ويرى مالايرون، ويظن أن الدنيا خلقت من أجله وماهي إلا أوهام لا يحملها إلا الضعيف. وإن داء النفوس هذا يستشري بين القلوب وهو وبال على صاحبه وقد أكدت أخبارهم أنهم أشد البشر بؤسا وضيقا وأنهم يحاطون بالرزايا والبلايا التي لا تنقطع حتى يكفون عن هذه المشاعر المقيتة. ويكون في داخلهم رؤية للآخرين يملؤها الاحترام والإجلال. فكل خلق الله معجزات خلقها الله وجعل لها شأنا وهبات ومواهب وقدرات وقد رفع الله شأن النملة والنحلة والناقة في القرآن وهم ليسوا بشرا فكيف يغمط الناس بشرا كرمهم الله بالعقل.. وإن من يستخف بعقول الناس أو يظن أنها أدنى من عقله وفهمه فهو يحتقرهم في أعز مايمتلكون وهل هناك أعز على الأنسان من عقله؟ ومن يسهل عليه انتقاصه والتقليل منه؟ وإن هذا من أشد أنواع الكبر وأكثر مايقع فيه الناس سهوا وجهلا. ولايخلو مجلس ولا نقاش إلا وقد استخف الناس بالناس وبأحوالهم وبأفكارهم وقلة درايتهم وسوء سلوكهم.. وينسون أن الإنسان بطبيعة خلقها الله فيه لاينال الكمال ولو حرص على ذلك، وأنه كغيره مما في الأرض يعتريه النقص وماارتفع إلا نزل، وماأدرك من علم شيء إلا فاته من العلوم الأخرى أشياء وأشياء، وإن أعظم الأخطاء أن يظن الفرد أن نفسه أكبر من أن تخطئ. والغطرسة وإن كانت غير مصرحة ورطة كبيرة وهي تسبق السقوط دائما، وكلما ازداد المرء علما أو حكمة فعليه أن يحميها من داء الغرور والاعتداد الزائف بالنفس. فمن يملأ نفسه بالكبر يفرغ قلبه من الحكمة. والكبرياء مثل الجدار السميك يمنعك من رؤية مالدى الناس من تجارب وحقائق. والغرور سجن لايراه إلا من خرج منه. ومن تواضع وجد طريق العلم والفهم ومن تكبر فتح على نفسه باب الظلمه. وإن العلم رزق وهبه لايؤتيه الله إلا لمن أحسن النظر في الناس واجتهد أن يعرف خيرهم ويأخذ به، ويعرف شرورهم ويدعوا لهم ويدعوا لنفسه ألا يبتلى بما هم فيه.
يقول الحسن البصري"ماهلك من هلك إلا من ثلاث شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه".
ويشير سفيان الثوري إلى خطورة التكبر فيقول" احذر الكبر فإنه أول معصية عصي الله بها وأنه مادخل قلباً إلا أفسده". ويرى ابن تيميه" أنه كلما ازداد العبد تواضعا لله رفعه فإن الكبر ينافي حقيقة العبودية". والكبر لله وحده فهو الكامل وهو الخالق وهو الذي بكل شيء عليم. ومن ارتدى لباس الكبر سواء في قلبه أو أظهره للناس فإنه ينازع الله في أمر خصه له نفسه حصرياً وكلياً دون أي مخلوق خلقه. ومن وقع في مثل هذا التعدي فهو وإن فعل من الخير مافعل قد أوجب على نفسه الهلاك. وهذا ما أكده النبي محمد عليه الصلاة والسلام حين قال" لايدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" ولهو أمر جلل عظيم ومصيبة للدين ليس كمثلها مصيبه وقد صورها أيضا النبي عليه الصلاة والسلام في حديث شريف فقال"ما ذِئْبَانِ جائعانِ أُرسِلا في زريبةِ غنمٍ بأفسدَ لها من حرصِ المرءِ على المالِ والشرفِ لدينه" فطلب الشرف والمجد لإشباع الغرور والاعتداد بالذات هو بداية التدمير الحتمي لدين المرء وإيمانه، وكيف تسلم النفس وقد زينت الدنيا لنا الألقاب والمراتب وبهرجت لذواتنا الأسماء والمناصب، وغلب الظن على الكثير بعلو الشأن في عمل أو علم أو نسب أو جاه أو شهرة حتى رأى في نفسه مالايحق له أن يراه. وقد سئل الإمام أحمد عن ماهو فيه من شهرة العلم التي بلغت الأقاصي في زمنه فقال" وددت أني في موضع راعٍ في الجبال، لا أُعرَف، ويأتيني رزقي كل يوم".
ولقد نبذت كل الثقافات في العالم هذه الصفة وازدرتها وأنفت منها وحذرت الأجيال مما تلوث به النفس والحياة فالكبر يبعد الشخص عن الله والناس معا. إذ لا ينفع مع المتكبر حوار ولا صحبه، ولايسلم من انتقاصه قريب ولابعيد. و إلا ماجعله ذلك عنيداً لاينزل لرأي، ولا يقبل نصيحة، ولايعتذر عن خطأٍ أبدا.
ويشير الكاتب الأمريكي همنجواي " أن الإنسان المتكبر ضعيف لكنه يخفي ضعفه وراء صخب مزعوم".